قديما كان أصل حوض النيل والقرن الإفريقي كله نوبيين و بعض الباحثين يقولون أن سكان الحبشة والصومال والبجة عبارة عن أمة تفرعت من النوبة. كانت النوبة أمة كبيرة تفرعت منها قبائل كثيرة و كل قبيلة لها لغتها النوبية الخاصة بها و توجد كلمات كثيرة مشتركة في كل لغات النوبة.إن النوبيون كانوا سادة العالم القديم بحضارتهم المجيدة و ممالكهم القوية التى قهرت كل الأمم التى عاصرتهم أن مملكة النوبة إمتدت من وادى النيل إلى الشام كله وحاربت الأشوريون ملوك العراق و إمتدت إلى كل ساحل البحر الأحمر و غطت بلاد البجة و إمتدت إلى داخل أراضي إثيوبيا ( الحبشة ) و غربا إمتدت حتى برقة في ليبيا. و كانت حضارتهم عبارة عن إمبراطورية كبيرة حتي إن الحضاره الرومانيه العظيمه كانت تحسب لهم ألف حساب و ذلك لأن النوبيون هزموهم في عدة مواقع عندما حاول الرومان لغزو بلاد النوبة و بعد أن ظهرت الديانة المسيحية و آمن بها النوبيون والرومان تحالف النوبيون والرومان بسبب وحدة العقيدة وكان آخر تحالف للنوبة والرومان عندما حاولوا طرد العرب من مصر في المعركه الشهيره (ذات الصواري ) في عهد الخليفه "عثمان بن عفان" .
و عند الغزو العربي لمصر علي يد الصحابي "عمرو بن العاص" فشلت الجيوش العربيه في دخول مملكة النوبه في الجنوب و سقطت علي أسوار حصونها و أنهارت أحلام جنودها في السيطره علي مناجم الذهب في الجنوب تحت نصال رماح و سيوف المقاتلين النوبيون الأشداء مما دفع العرب لعقد معاهدة صلح من مملكة النوبه عرفت بإسم معاهدة البقط عام 652م و التي عقدت بين والي مصر وقتئذ عبد الله بن سعد بن سرح و ملك النوبه و التي يبتدئها "عبد الله بن سعد" بكلمته التاريخيه "عهد من الأمير عبد الله بن سعد بن أبي سرح لعظيم النوبة ولجميع أهل مملكته ....إلي أخره " . فكل ماذكر سابقا يدل علي إن المملكه النوبيه لم تكن في يوم من الأيام تابعه لمصر أو لسلطة العرب بل إن العرب قد سعوا لمصالحتها خوفا من قوتها في هذا الوقت .
ولكن هذا العظمة التاريخيه لا تستمر كعادة كل الممالك الكبري فقد جاء اليوم الذي سقطت فيه المملكه النوبيه في أيدي العرب و المسلمين في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس الذي هاجم رجاله النوبه و توغلوا فيها حتي دنقلا و نهبوا في طريقهم البلاد و قتلوا العباد و عادوا منها محملين بالأسري ولما رجع الملك الظاهر بيبرس إلى القاهرة بعد أن غزا أرمينيا وقضى على الباطنيين وهزم التتر , قدم له مماليكه أمرأة من النوبة من أشراف الأسرى علامة على الظفر وتذكاراً لأنتصارهم بغزو النوبة و قدموا له الأسري النوبيون فعاملهم بقسوه و وحشيه حيث أمر بقطه كل واحد منهم إلي نصفين .
و يستمر التاريخ بالمملكه النوبيه العظيمه من سيئ إلي أسوء حتي جاء اليوم الذي أصبحت فيه جزء من مصر و الدوله الإسلاميه و العربيه القائمه في منطقة الشرق الأوسط . ليس هذا فقط بل إن الشعب النوبي أضطر أن يهجر أرضه التي عاش عليها ألاف السنين و التي دفن فيها الأباء و الأجداد و يرحل إلي الشمال من أجل بناء السد العالي في عهد رحمه الله الزعيم"جمال عبد الناصر" و يتبع هذا هجرة أخري أسوء من هذا فهي كانت هجرة النوبيون إلي الخليج تاركين بلادهم و أهلهم من أجل لقمة العيش في عهد "السادات" و إن كنا قادرين علي فهم الهجره الاولي فمن المستحيل أن نفهم الثانيه فكيف يقبل أن يعرف قيمة الأرض أن يغادرها ؟ كيف يقبل النوبيون أن يتم إستعبادهم علي أيدي من ركعنا أجدادهم قديما ؟ أمر لا نستطيع فهمه حقا .
كيف يتنازل أحفاد المقاتلون الأشداء و يصبحوا عبيدا عند أحفاد رعاة الغنم ؟ بل إن الأسوء من ذلك هو أن النوبيين أصبحوا اليوم غير قادرين علي إستيعاب فكرة الإنفصال عن مصر و السودان و إعادة إنشاء دوله نوبيه مستقله بل إن من يدعو إلي مثل هذا الأمر اليوم يعامل علي إنه عميل غربي و يحمل أجنده أمريكيه لتقسيم المنطقه . إذن فمن يسعي لإستعادة التاريخ و أمجاد الماضي و حضارة بلادنا العظيمه يصبح عميل يالها من سخريه .
و لكن علينا كنوبيين أن نبدأ في تحضير أنفسنا من أجل الإستقلال . و لكن الطريق إلي اللإستقلال طويل و ليس هين و يبدأ بإستعادة الثقافه النوبيه المنسيه و المحافظه علي اللغه النوبيه التي في طريقها إلي الإندثار أمر في غاية الأهميه بل هو الخطوه الأولي في طريق الحريه فكثيرا من الشباب النوبي اليوم لا يتحدث لغة الأجداد لغتنا النوبيه الإفريقيه الجميله التي تعبر عنا بكل بساطه و تقليديه بعيدا عن اللغه العربيه المتكلفه و الصعبه علي ألسنتنا كنوبيين.