بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر سكان جزيرة إيلفنتين من النوبيين أنهم هم السكان الأصليون في الجزيرة، ولا تزال فوق الجزيرة حتى اليوم قرية نوبية تحافظ على العادات والعمران والثقافة النوبية.
وتعتبر مدينة اسوان بمتحفها النوبي أحسن شاهد على حضارة عمرت وتأثرت بمختلف الحقب منذ التاريخ القديم حتى يومنا هذا.
عند الحديث عن بلاد النوبة يقصد بذلك حاليا المنطقة الممتدة بين أسوان شمالا حتى مدينة الدبة قرب الجندل الرابع جنوبا داخل السودان. وكانت الكتابات المصرية القديمة تطلق عليها اسم " تاستي " بمعنى أرض القوس أي السلاح الذي كان يستخدمه أهلها.
ومع أن العلماء لم يتفقوا على جذور التسمية إلا أن هناك ميلا الى القول بأنها قد تكون مشتقة من الكلمة المصرية "نبو" التي تعني "ذهب" الذي اشتهرت المنطقة باستخراجه.
جغرافيا، يتم التمييز بين بلاد النوبة السفلى أي المصرية الواقعة بن الجندلين او الشلالين الأول والثاني والتي أطلق عليها المصريون القدامى اسم " واوت" ، وبين النوبة العليا أي السودانية الممتدة الى الجنوب من الجندل الثاني او الشلال الثاني حتى تخوم الخرطوم والتي كان يطلق عليها أسم " كوش".
ونظرا لكون هذه المنطقة كانت حلقة وصل بين الشمال والجنوب، ومنطقة عبور عبر نهر النيل، فإنها اكتست أهمية بالغة من الناحيتين العسكرية والتجارية منذ غابر الأزمان مما جعل أهلها يختلطون بمختلف الحضارات التي عمرت المنطقة من فرعونية الى رومانية ويونانية قبل انشتار المسيحية وانتهاء باستقرار الإسلام.
النوبة عبر التاريخ القديم
تشير الدلائل الأثرية من رسومات موجودة على بعض الصخور والأدوات التي عثر عليها إلى أن الإنسان عمر بلاد النوبة منذ العصر الحجري. وإذا كانت حضارة الخرطوم تؤرخ بحوالي ستة ألاف سنة قبل الميلاد ، فإن بعض الدلائل التي عثر عليها في موقع النبطة قرب أبو سمبل تشير الى ان المنطقة عرفت شواهد معمارية تعود الى حوالي 9 آلاف سنة قبل الميلاد.
ويمكن القول أن بداية التاريخ بالمنطقة بدأت مع اختراع سكان المنطقة الشمالية لوادي النيل الكتابة وتمكنوا من إنشاء دولة موحدة بحكومة مركزية، وبعد أن جرى العرف بين العلماء على تدوين عصور مصر التاريخية وفقا لتسلسل الأسرات الملكية وهو النظام الذي وضعه المؤرخ المصري مانتيون في القرن الثالث قبل الميلاد.
وهكذا نجد ان بلاد النوبة عرفت مراحل ازدهار وتقهقر، ومراحل هدوء وحروب تحت حكم الأسر المختلفة التي حكمت التاريخ القديم ما بين 2800 قبل الميلاد حتى قيام الدولة الحديثة في 1550 ق.م. كما انها عرفت في تلك المراحل وما تلاها اختلاطا بين سكان المنطقة وسكان قادمين من الشمال. وهذا الاختلاط ما زال واضح المعالم لحد اليوم.
مملكتا كوش ومروى
إذا كانت المحاولات التي تمت في عهد الدولة الحديثة لتأمين الارتباط بين النوبة ومصر، وذهبت الى حد تعيين أمراء من النوبيين على بعض أقاليم المنطقة، قد سمحت بتطور العمران والتجارة في المنطقة، فإن تدهور الأوضاع في نهايتها أدى الى ظهور مملكات إقليمية مثل مملكة كوش ومروى.
وقد سمحت تلك الحقبة للملوك الكوشين باعتماد أساليب حكم وطقوس دينية فرعونية خلال حكمهم الذي استمر حتى 568 ق.م.
وعلى الضفة الشرقية للنيل بين الجندلين الخامس والسادس ترعرعت مملكة مروى التي أتقنت الزراعة وتحكمت في طرق القوافل التجارية المتجهة نحو البحر الأحمر شرقا، وكردفان ودارفور غربا ، و مصر شمالا، وأواسط إفريقيا جنوبا، في الوقت الذي كانت فيه مصر تحت سيطرة الفرس.
وقد عرفت مملكة مروى في عهد البطالمة ازدهارا نظرا للعلاقة الودية التي كانت تربطها بهم كما استطاعوا تطوير طريقتين في الكتابة الأولى عرفت بالهيروغليفية المروية، والثانية وهي عبارة عن طريقة مبسطة مطورة عن الكتابة الديموطيقية المصرية. كما أن هذه الفترة عرفت ظهور شعبين بالمنطقة: البلميون وهم خليط من الشعوب الزنجية، والنوباديون الذين ينحدرون من أصول نوبية وليبية. وهو ما سرع بانهيار مملكة مروى.
وقد عرفت منطقة النوبة بعد الرومان انتشار المسيحية ثم الإسلام. فقد اهتم المسلمون بمنطقة النوبة منذ فتحهم مصر في 641 ميلادية على يد عمرو بن العاص. وتمكن عبد الله بن سعد من دخول بلاد النوبة والوصول الى دنقلة أثناء خلافة عثمان بن عفان. ونتيجة لضراوة المواجهات تم إبرام هدنة بين الطرفين عرفت باسم " البقط".
وباعتناق الأمير النوبي " نشلي" الإسلام ومن بعده الملك " كرنيس "يرى المؤرخون أن الإسلام انتشر واستقر في كامل بلاد النوبة مع استمرار تواجد للكنيسة القبطية.
تراث ثقافي أحسن إنقاذه
يتميز التراث الثقافي النوبي بطابعه الذي يمزج بين الثقافات الإفريقية من جهة والحضارات العريقة من فرعونية ورمانية ومسيحية وإسلامية.
ولاشك في ان زائر متحف النوبة في أسوان بإمكانه أن يأخذ نظرة شاملة عن تأثر الثقافة النوبية بمختلف الحقب التاريخية التي مرت بها المنطقة.
ولم يكن للأجيال القادمة أن تتعرف على جزء كبير من هذا التراث بدون تكاثف جهود منظمة اليونيسكو والحكومة المصرية وأكثر من أربعين دولة من بينها سويسرا لإنقاذ التراث النوبي من الغرق عدة مرات.
فقد حدث أن تعرضت آثار النوبة للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان اسوان في عام 1902، والثانية عند ارتفاع منسوب المياه في عام 1912، والثالثة في عام 1932.
ومع اعتزام بناء السد العالي اتضح أن مستوى المياه سيبقى مرتفعا في المناطق الأثرية وهو ما سمح في عام 1960 بتضافر الجهود المالية والتقنية للقيام بأكبر عملية إنقاذ للآثار في تاريخ الإنسانية.
وهي العملية التي استغرقت عشرين عاما وشاركت فيها أربعون بعثة أثرية، وسمحت بانقاذ أكثر من إثنين وعشرين موقعا أثريا تم تفكيكه ونقله وإعادة نصبه في أماكن أخرى بعيدا عن تهديد المياه.
ومن أهم هذه المعالم التي تم إنقاذها في بلاد النوبة يمكن ذكر معبدي ابو سمبل، ومعابد فيلة، دابود، كلابشة، وادي السبوع، دندور، عمدا، الليسية، بيت الوالي، دكة، المحرقة، بوهن وغيرها.