اختلف الدارسون فى تحديد اصل اللغة النوبية وقد ارجع
الباحثون زمن ظهور اللغة النوبية في وادي النيل إلى القرن الثالث من الميلاد. وكتبت اللغة النوبية في العصر الوسيط وهو العصر الذي يسمى عصر الممالك النوبية المسيحية وهو الممتد من 500 ميلادية الى 1500 ميلادية. وقد عرفت اللغة النوبية كسائر اللغات الأخري استعمال الحروف الأبجدية في الكتابة والتدوين وذلك على الأقل في فترة تاريخية معينة كما هو ثابت ومؤكد من خلال العديد من المخطوطات والوثائق المحفوظة، وقد كتبت اول ما كتبت بالحروف الهجائية المستلفة من الاغريقية. وبالرغم من أن الكتابة والتدوين بهذه الحروف كانت قد بطلت بعد دخول الإسلام في النوبة حوالي القرن الثالث عشر الميلادي إلا أن اللغة النوبية ظلت باقية كلغة متطورة تتناقلها الأجيال ويستخدمها أهلها في مجريات أمورهم من الميلاد وحتى الممات. ممارسة طقوسهم اليومية وذلك طيلة القرون السبعة الماضية وحتى إلى يومنا هذا.
عايشت اللغة النوبية خلال فتراتها المختلفة العديد من اللغات المختلفة منها ما يشاركها الأصل والنسب ومنها ما يبعد عنها في الأصل (كاللغة المصرية القديمة "القبطية –الهيروغلوفية" ، لغات البجا ، اللغة الرومانية ، اليونانية ، ولغات أخري كثيرة). ولاشك أن كل واحدة منها تركت أثارها على الأخرى مع تفاوت قوة التأثر والتأثير بقوة اللغة وضعفها، وقد استطاعت اللغة النوبية ووسط هذا الكم الهائل من اللغات أن تفرض سيطرتها وان تثبت بقوة أمام تيارات الصراع المختلفة.
وصمود اللغة النوبية أمام هذه التيارات المختلفة دليل على قوتها وثرائها فالعربية مثلاً وهي لغة القران والسنة ورغم سطوتها وجبروتها لم تستطع أن تبيد اللغة النوبية أو تزيلها وان جعلتها تنكمش وتنحصر في منطقة ضيقة من مناطق نفوذها السابقة. وبنفس القدر استطاعت اللغة النوبية أن تترك أثارها الواضحة في عربية السودان فقد غزتها وأشبعتها بمفردات نوبية عديدة (عد منها د. عون الشريف قاسم حوالي ( مفردة) ومازال الصراع بين النوبية والعربية مستمراً ومازالت اللغة النوبية تقاوم سطوة اللغة العربية ومحاولة الطغيان عليها.
أما إشارات بعض الدارسين والمتكلمين إلى أن النوبة لهجة وليست لغة فهو أمر ليس بصحيح وذلك ان اللهجة هي: الانحرافي الصوتي عن مستوى صواب اللغة وذلك كاللهجات العربية (العاميات العربية) المتكلمة في كل البلاد العربية مثلاً فهي لهجات منحرفة عن صواب اللغة الأم (اللغة العربية). وعلى ذلك يمكن قياس اللهجات النوبية المتكلمة الآن بأنها انحراف صوتي عن مستوى صواب اللغة الأم (اللغة النوبية) فلا يمكن الحديث عن لهجة أو لهجات دون أن تكون لها لغة أم انحرفت عنها.
وعند الحديث عن اللغة النوبية يجدر بنا الإشارة إلى مراحل تطور اللغة النوبية في شكلها المرصود من خلال الوثائق والمخطوطات وأدب التواتر بعد توقف الكتابة ومن هنا يمكن تقسيم مراحل اللغة النوبية إلى مرحلتين أساسيتين:
أولهما: هي مرحلة اللغة النوبية القديمة التي تميزت فيها اللغة النوبية مثل كثير من اللغات الأخري بمعرفة الكتابة والتدوين.وثانيهما : هي مرحلة اللغة النوبية الحديثة التي تميزت بظهور عدة لهجات تفرعت في الأصل عن تلك اللغة الأم الموجودة من المرحلة السابقة. ويمكن تقسيم اللغة النوبية الحالية (لغة المرحلة الثاني) لغوياً إلى مجموعتين أو لهجتين: هي لهجة (الكنوز والدناقلة) ، ولهجة (الحلفاوين والمحس والسكوت) وتسمى الفديجا ، ويقسمها البعض إلى أربع لهجات (كنزي ) و(سكوتي) و (محسي) و (دنقلاوي) ومهما يكن من أمر فاللهجات النوبية هي التي يتكلمها الآن الكنوز والسكوت والمحس والدناقلة. ومع هذا التقسيم فان هذه اللهجات متقاربة وليس هناك فروق جوهرية بينها وان كانت الدنقلاوية شديدة الشبه بالكنزية برغم المسافة الواسعة التي تفصل بينهما (اللهجتان المحسية والسكوتية تتوسطانهما) وهو أمر يستحق الدراسة.
.
بعض خصائص ومميزات اللغة النوبية
1
. اللغة النوبية لا تعرف التذكير والتأنيث. فلا يمكن التفريق فيها بين المذكر والمؤنث. فنقول في مثل: (جاء الولد) تود تارون(تود تاكون بالدنقلاوية) (تود تعني ولد) وفي (جاءت البنت) برو تارون(برو تاكون) (برو تعني بنت) فالملاحظ هنا أن تارون او تاكون والتي تعني جاء بالعربية لم تلحقها أي أداة للتأنيث يجعلها تتميز عن المذكر عند الحديث عن البنت المؤنثة. وهكذا لا نلحظ أي اختلاف في الفعل (تارون)(تاكون) في الاستعمالين أو مثال المذكر ومثال المؤنث. إذاً فالنوبية لغة لا تفرق بين المذكر والمؤنث
2.
اللغة النوبية خالية من أداة التثنية وبالتالي فهي لغة لا تعرف المثنى فليس فيها أداة متصلة يمكن الصاقها بالاسم لتدلنا على التثنية. وعليه لا نجد في النوبية مثالاً كالمثال العربي جاء الرجلان.
3.
النوبية تجعل الاسم مثناً باضافة لفظ (أووي) أي اثنين نفسها بالدنقلاوية بعد الاسم المراد تثنيته فنقول في حضر الرجلان إد اوي تاجسن او بالدنقلاوية (اقج اوي تاكرن) . فالملاحظ هنا أن كلمة (إد) او(اقج) وتعني (رجل) لم يطرأ عليه أي تغيير فهي تدل على المفرد إلا أن دخول كلمة(أووي) هي التي جعلت من مثنى.
4.
يمكن في النوبية جمع العدد واحد ليعبر به كثرة (ويكو بجسن) فهنا جُمع العدد واحد وهو وي ليصبح ويكو أي واحدين وهو بالدنقلاوية (ويريي) وهو أمر مخالف للعربية فيما نرى. وقد رد بعض الدارسين جمع العدد واحد إلي واحدين في العامية السودانية للتعبير به عن الكثرة مرده تأثر العامية السودانية ببعض التراكيب النوبية.
5.
الأصل في اللغة النوبية تقديم الفاعل على فعله بعكس اللغة العربية التي الأصل فيها تقديم الفعل على الفاعل ، فنقول محمد كبن (محمد أكل) او (محمد كلكو) - (محمد كبك كبن) او (محمد كلقى كلكو) محمد أكل الأكل) في المثال الأول نجد الفاعل + الفعل وفي المثال الثاني نجد الفاعل +المفعول به +الفعل. (الجملة الفعلية).
6.
اللغة النوبية تخلو من أداة التعريف ولذا كل الأسماء في النوبية معرفة ما لم يلحق بآخرها أداة التنكير وهي (وي) (وير) وتعني واحد و(ويكو) (ويري) واحدين في حالة الجمع.
7.
اللغة النوبية من اللغات التي يمكن أن يتغير معناها تبعاً لاضافة مقطع في بدئها أو في جزعها (اللغات الكاسعة). وذلك على مثال ما جاء في العربية